أيام شتوية 2



تذكرت لحظات مرت عليها، كانت تريد نسيانها للأبد. لأنها تعرف استحالة عودة الماضي.

فكلما كانت تتذكره تحاول تناسي ما يدور بذهنها.تأخذ مج النسكافيه وتذهب لتعد لنفسها كوبًا آخر.
تحضر المكونات وتقوم بخلطها وبعد غليان المياه تقوم بصبها على المكونات وأثناء قيامها بخلط

المكونات مع بعضها تأتيها رائحة النسكافيه، وتأخذها الذكريات مرة أخرى فتتجاهلها وتستمر في التقليب.

فتراه أمامها يحيطها بنظراته التي عشقتها لسنوات كثيرة تبدأ المكونات في الذوبان.

تجري من الأمطار وتدخل المقهى وتشم رائحة القهوة التي تعشقها

تتأمل مجها في هدوء بعيون تحبس الدموع من أخذ مسارها

تنظر إليه وتشير إلى أنها تريد أن تجلس في هذا الركن من المكان

تتذوق النسكافيه وتضيف له المزيد من السكر وتحاول منع دموعها من الخروج إلى عالمها الجديد.

يخلع عنها معطفها ويجلسان بجانب بعضهما تنظر للمطر من نافذة المقهى ويأخذها صوته
عندما يقول "ما فيش أحلى من الجو دا المطر والقهوة وفيروز"


تأخذ مجها وتعود إلى مكانها بجانب النافذة.

يأخذ يديها بين كفيه ليقلل من برودة يديها ويطلب من النادل إحضار كوبين من قهوتهم المفضلة.
تندفع في البكاء وتحاول عدم تذكر المزيد.
تنظر للمطر وتتأمل المكان والغربة التي تعيش فيها.
بنظره مليئة بالمرارة والحزن والدموع تسمع صوت فيروز
مازالت تغني كما كانت تغني لهم لليالي وليالي و سنوات.

"حبيبي ندهني قلي الشتي راح
رجعت اليمامة زهر التفاح
و أنا على بابي الندي و الصباح
و بعيونك ربيعي نور و حلي"

وكلما سمعت كلمة من الكلمات، تذكرت موقف و لحظات مرت.
كأنها في صراع مع ذهنها وكلمات فيروز.
تسأل نفسها في حيرة عن سبب تذكرها له بهذه الطريقة!!
هل المطر هو السبب أم حنينها إليه ؟!!
بعد مرور وقت قصير ينتشلها من التفكير جرس الباب جففت دموعها
وذهبت لتفتح باب المنزل للزائر المجهول
الذي يزورها بدون سابق موعد. وفيروز مازالت تغني:

"و ندهني حبيبي جيت بلا سؤال
من نومي سرقني من راحة البال
وأنا على دربوا ودربوا على الجمال
يا شمس المحبة حكايتنا أغزلي"

أيام شتوية




استيقظت في ميعاد متأخر، فقد كانت حتى فجر اليوم تستكمل قرائه الرواية
التي تأخذ حيز كبير من اهتمامها منذ بضعة أيام.
تذهب لتنظف وجهها وتغيير ملابس النوم التي ترتديها.
وتقوم بتشغيل السي دي بلاير على أحد أغانيها المفضلة لفيروز،
ثم تصنع لنفسها مج من النسكافيه الساخن.
تحضر المياه وتضعها في البراد.
وعند سماعها لصوت الأمطار تتوجه مسرعة إلى النافذة لمشاهدتها.
فنزول الأمطار يجعلها تتفاءل ويجعل إحساس جميل بالدفء يتسلل إلى داخلها.

تسرح بمخيلتها وتتذكر أحد أيام الشتاء التي مرت منذ ثلاث سنوات وتتذكر:
يومًا مميز جدًا في حياتها.

يومًا قابلته وجلست معه.

يومًا لا تستطيع نسيانه.

يومًا أكدت لها الظروف أن نهاية حبهما مستحيلة.

يأخذها صوت صفير البراد من ذكرياتها ويعود بها لأرض الواقع
فتذهب لعمل مج النسكافيه.
تبحث عن مجها المفضل للنسكافيه و
بعد اكتمال غليان المياه،
تضع ملعقتين نسكافيه ونصف ملعقة سكر وملعقتين من الحليب الطبيعي.
ثم تضع المياه الساخنة وتقلب بكل هدوء حتى تتأكد
من ذوبان جميع هذه المكونات مع بعضها .
تأخذ المج وقطعة شوكولاته وتدخل إلى غرفة المعيشة الخاصة بها.
تجلس بجوار النافذة بعد قيامها بفتحها لتتمكن من
مشاهدة أكبر قدر ممكن من هذا المشهد الرائع
للأمطار فالشارع يمر به عدد لا بأس به من السيارات والمارة.
والجو هادئ والأمطار تتساقط في تسلسل جميل.
تحاول إبعاد تلك الذكريات عن مخيلتها ويومها فلا داعي لجعل يوم
جميل مثل هذا كئيب وغامض.
تحتضن يداها مج النسكافيه حتى يصلها هذا
الإحساس بالدفء الموجود في سخونة
المج ويجعلنها تتناسى برودة المكان من حولها.
بعد أخذ أول رشفة من النسكافيه تشعرها بالمذاق الرائع الذي طالما،
عجزت عن وصفه فالقهوة من الأشياء التي يصعب عليها وصفها.
وخلال تفكيرها بذلك تتذكر نسيانها الرواية بغرفتها
تذهب لجلبها تفتح صفحاتها لتستكمل القراءة
داخل عالم تعشقه وتعشق كاتبته
التي دائمًا ما أمتعتها بمؤلفاتها الجميلة.ولكنها
تترك الرواية وتضع المج بجانبها
ليأتيها
صوت فيروز الذي يملء أركان المكان
ويزيد من جمال الجو الداخلي للمنزل:

أنا لحبيبي وحبيبي ألي
يا عصفورة بيضا لا بقي تسألي"
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا
أنا لحبيبي وحبيبي ألي"


لهذه الكلمات وقعها الخاص على قلبها حيث
تجعلها تعود لتتذكر من جديد
وتحطم جميع محاولات الهروب بداخلها
تعود الذكريات
ويبدأ قلبها بالخفقان
وتبدأ عيناها بالبكاء
تستسلم وتترك نفسها للذكريات والأسرار التي
دومًا تزورها بأيام شتوية مليئة بالأحلام والتأملات والذكريات.